زيارتا ترمب- شراكة إستراتيجية سعودية أمريكية متجددة لمستقبل واعد

المؤلف: علي مكي09.13.2025
زيارتا ترمب- شراكة إستراتيجية سعودية أمريكية متجددة لمستقبل واعد

لم تكن زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى المملكة العربية السعودية في مايو من العام 2017 مجرد إجراء شكلي أو مناسبة بروتوكولية عابرة، بل كانت منعطفًا تاريخيًا هامًا أرسى أسسًا راسخة لنمط جديد من الشراكات الاستراتيجية الوطيدة بين الرياض وواشنطن، كما أنها عززت مكانة المملكة العربية السعودية كمركز محوري ذي ثقل بارز في صياغة مستقبل منطقة الشرق الأوسط. واليوم، وبعد مرور ثمانية أعوام حافلة بالتطورات والمتغيرات، يعود الرئيس ترامب مجددًا إلى أحضان المملكة العربية السعودية في العام 2025 خلال فترة ولايته الرئاسية الثانية، ليجعل من الرياض مرة أخرى وجهته ومنطلقًا لأولى جولاته الخارجية، في مشهد يحمل في طياته رمزية متكررة، وواقعًا سياسيًا واقتصاديًا متحولًا، ولكنه راسخ وثابت في قيمه ومبادئه الأساسية.

2017: زيارة التأسيس المتين وبناء التحالفات الراسخة

عندما تم انتخاب دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة الأمريكية في عام 2016، كانت السياسات الأمريكية تجاه منطقة الشرق الأوسط تتسم بالغموض والضبابية الشديدة. ومن هنا، جاءت زيارته الأولى إلى المملكة العربية السعودية في شهر مايو من العام 2017 بمثابة خطوة جريئة وحاسمة لإعادة صياغة العلاقات مع الحلفاء التقليديين، وفي مقدمتهم المملكة العربية السعودية.

وقد شهدت هذه الزيارة عقد ثلاث قمم تاريخية هامة (قمة سعودية ـ أمريكية، قمة خليجية ـ أمريكية، قمة إسلامية ـ أمريكية)، وحملت معها توقيع اتفاقيات تعاون وشراكة اقتصادية ضخمة تجاوزت قيمتها الإجمالية حاجز الـ 400 مليار دولار أمريكي، بالإضافة إلى تأسيس "مركز اعتدال" دولي متخصص لمكافحة الفكر المتطرف ومحاربته، وتأكيدًا قاطعًا على التحالف الاستراتيجي الوثيق في مواجهة التحديات الإقليمية المختلفة، وعلى رأسها التدخلات الإيرانية السافرة في شؤون المنطقة.

ولكن الأثر الأهم لتلك الزيارة كان يتمثل في بعدها الرمزي والاستراتيجي العميق: فقد أرسل الرئيس ترامب رسالة واضحة إلى العالم أجمع مفادها أن المملكة العربية السعودية لم تعد مجرد حليف نفطي تقليدي، بل أصبحت شريكًا سياسيًا وأمنيًا فاعلًا في قيادة النظام الإقليمي الجديد.

2025: زيارة التثبيت الراسخ وقراءة التحولات العميقة

عادت المملكة العربية السعودية لتكون المحطة الأولى للرئيس ترامب في ولايته الثانية في العام 2025، في مشهد يعبر بصدق عن ثقة متبادلة وعلاقات وطيدة بلغت مستويات غير مسبوقة من العمق الاستراتيجي المتين. ولكن هذه الزيارة جاءت في سياقات دولية مختلفة ومتنوعة، تتمثل فيما يلي:

• المنطقة العربية والشرق الأوسط قد شهدت تحولات كبرى وجذرية، بدءًا من تطبيع العلاقات الدبلوماسية بين عدد من الدول العربية وإسرائيل، وصولًا إلى تطورات جديدة في الملف الإيراني المعقد والملف اليمني الشائك.

• المملكة العربية السعودية قد شهدت تطورات داخلية ملحوظة وإصلاحات شاملة في شتى المجالات، إذ أصبحت ورشة عمل كبرى لا تهدأ ضمن رؤية المملكة 2030 الطموحة، مع تنوع اقتصادي ملحوظ، وإصلاحات اجتماعية واسعة النطاق، ونمو مطرد في النفوذ الإقليمي والدولي.

زيارة الرئيس ترامب الثانية للمملكة لم تكن تهدف إلى تأسيس علاقة جديدة، بل إلى تثبيت هذه العلاقة وتعميقها وتعزيزها، من خلال التعاون في ملفات الطاقة الحيوية، والتكنولوجيا المتقدمة، والأمن والدفاع المشترك، ومشروعات استثمارية ضخمة تجسد الثقة الأمريكية المتزايدة في الاقتصاد السعودي المزدهر.

أوجه التشابه ونقاط الالتقاء بين الزيارتين

• الرمزية الجغرافية: أن تكون الرياض هي المحطة الأولى لرئيس أمريكي جديد (أو عائد إلى سدة الرئاسة) لمرتين متتاليتين، فهذا يحمل دلالة واضحة لا لبس فيها بأن المملكة العربية السعودية تمثل حجر الزاوية والعمود الفقري للسياسة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط بأسرها.

• التحولات السعودية: في كلتا الزيارتين، كانت المملكة العربية السعودية في طور تحول كبير وتغيير شامل؛ ففي عام 2017 كانت تطلق رؤية 2030 الطموحة، وفي عام 2025 بدأت تجني ثمار هذه الرؤية وتحقق أهدافها المنشودة.

• الملف الإيراني: كان حاضرًا بقوة في كلتا الزيارتين، ولكن من زاويتين ومنظورين مختلفين: من المواجهة الصريحة والعلنية إلى محاولة فرض التوازن الذكي والتعامل بحكمة وروية.

• الاستثمار في الشباب والإصلاح: وجد الرئيس ترامب في رؤية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان مشروعًا طموحًا يلتقي مع المصالح الأمريكية المشتركة: اقتصاد مفتوح وحر، مجتمع حيوي نابض بالحياة، وحليف قوي ومستقر.

انعكاسات وتأثيرات الزيارتين على مستقبل المملكة

نجحت المملكة العربية السعودية، من خلال هاتين الزيارتين الهامتين، في تثبيت مكانتها المرموقة كدولة محورية ورائدة في المنطقة والعالم أجمع، ولا تقاس أهميتها ومكانتها بالنفط فحسب، بل بتأثيرها السياسي الكبير، وقدرتها الفائقة على بناء التوازنات الإقليمية والدولية.

كما ساعدت هاتان الزيارتان في تسريع وتيرة الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وتعزيز الصورة الإيجابية للمملكة كوجهة جاذبة للاستثمارات العالمية، ودفع عجلة التعاون المشترك في مجالات التكنولوجيا المتقدمة، والأمن السيبراني، والطاقة المتجددة النظيفة، واستكشاف الفضاء.

أخيرًا: شراكة استراتيجية من نوع فريد ومختلف

في الفترة ما بين عامي 2017 و 2025، لم تتغير المملكة العربية السعودية وحدها، بل تغير العالم بأسره. ولكن ما بقي ثابتًا وراسخًا هو هذه العلاقة المتنامية والمتطورة باستمرار بين الرياض وواشنطن، والتي لم تعد قائمة على المصالح التقليدية فحسب، بل على رؤية مستقبلية طموحة لبناء تحالفات جديدة لعصر جديد.

زيارتا الرئيس ترامب للمملكة العربية السعودية، بفارق زمني ودلالات معنوية عميقة، ليستا مجرد مشهد دبلوماسي عابر أو حدثًا بروتوكوليًا مؤقتًا، بل هما بمثابة وثيقة سياسية هامة تؤرخ لعصر سعودي جديد ومزدهر، تتقدم فيه المملكة العربية السعودية بثقة واقتدار نحو العالمية، بثبات في الدور، واتساع في التأثير.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة